كريم كيلاني، كاتب وصحفي ومترجم مصري، يعمل بالمجال الصحفي والأدبي منذ عام 2009. قام بترجمة عدة روايات، منها: "على السبيل" لچاك كيرواك، و"مدينة الرب" لباولو لينس، و"أخت فرويد" لجوسيه سميلفسكي. كما صدَرَت له رواية "الهروب من الطريق الدائري" عن دار "المحروسة"، وكتب لعَددٍ من الصحف والمواقع والإذاعات العربية.
سعى فرويد طيلةَ حياته لإثباتِ أن الشعور بالذنب هو ما يحفِّز الجنس البشري؛ لأنَّ الناس جميعهم كانوا أطفالًا ذات يوم، وفي صراع الطفل لِنَيْلِ حُبِّ أُمِّه يتمنَّى موتَ مُنافِسِه، أبيه، هكذا يقول أخي سيجموند، لقد ألقى باللوم على أكثرهم براءةً وأكثرهم عجزًا؛ لتحميله هذا الوِزْرَ الأصليَّ. اتَّهم مَن وصلوا لِتوِّهم إلى الحياة بالرغبة في قتل مَن وَهَبَهم إيَّاها، هذا بالإضافة إلى الشعور بالذَّنب الذي يسيطر على كُلِّ إنسان. وألقى على عاتقه أمرًا آخَرَ: إنه يذكر حين كان في عمر العام ونصف العام أنه تمنَّى موت ﭼوليوس، أخيه، المولود حديثًا، والذي مات بعد سِتَّة أشهر.
هَل أَنتَ صَنيعةُ ظُروفِكَ أَمْ صانِعُها؟ لم يَكُن اكتِئابُه بِسَببِ اللَّيلَةِ السَّيِّئَة وحَسْبُ، لقد راسَلَته زَوجَتُه قائِلَةً إنَّها لن تَعودَ إلى ريو دي چانيرو، لقد استَنزَفَتْها حياةُ الأَمواتِ هَذِه، لم تَعُدْ تَقبَلُ بالنَّومِ مَع رَجُلٍ يَعُدُّ سِلاحَهُ امتدادًا لجَسَدِه، رَجُلٌ لا يَرتاحُ بالُه، قاتِلٌ، لم تَعُدْ تَرغَبُ في الاستيقاظِ فَزَعًا من أَصواتِ العالَمِ، ذلك التَّقرُّحُ غَيرُ القابِلِ للعِلاجِ الَّذي أَصابَها كانَ بِسَبَبِ جَهلِها بِمَصيرِ زَوجِها في نِهايَةِ كُلِّ يَومٍ، عَزَلَها غِيابُ شُعورِها بالأَمانِ أَثناءَ مَشيِها في الشَّارِعِ دونَ أَيِّ راحَةِ بالٍ، كَونُها زَوْجَةَ ضابِطِ شُرطَةٍ صَعَّبَ عَلَيها صُنعَ صَداقاتٍ، أمضت حياتَها حَبيسَةَ المَنزِلِ، وإِنْ أكثَرَت من الشَّكوى نالَت ضَربًا... وفَكَّرَ أَنَّ كَونَهُ ضابِطَ شُرطَةٍ أَفضلَ مِن التَّعامُلِ مَعَ السُّكارَى في الحاناتِ، عَلِمَ هَذا عَن الخِبرَةِ السابِقَةِ؛ إِذْ كانَ يَعمَلُ في إِحدى حاناتِ وَسطِ المَدينَةِ قَبلَ أَنْ يَلتَحِقَ بالسِّلكِ الشُّرَطيِّ.
هَل تَبحَثُ عن الحَقيقَةِ؟ "عاهَدتُ نَفسي أَنْ أَبدَأَ حَياةً جَديدَةً. مُتَمدِّدًا إلى الغَربِ، وجِبالِ الشَّرقِ، والصَّحراءِ، سَأتَسَكَّعُ حامِلًا حَقيبَةَ ظَهْري وأَخوضُ في هذا العالَمِ عَلى سُنَّةِ الأَوَّلين، لَيسَ العالَمُ سِوى مُتَجوِّلين يَحمِلون حَقائِبَ ظُهورِهم، سَبيلًا للرَّحَّالَةِ الَّذين يَأبون إكراهَهم على استِهلاكِ كُلِّ ما يُنتَجُ، وعَلى العَمَلِ حَتَّى يَتَمكَّنوا من الاستِهلاكِ، واقتِناءِ كُلِّ هذه النِّفاياتِ الَّتي لا يَحتاجونها على أَيَّةِ حال: تِلكَ الثَّلاجاتِ، وأَجهِزَةِ التِّلفازِ، والسَّيَّاراتِ الحديثَةِ الفارِهَة، زيوتِ الشَّعرِ، ومُزيلاتِ العَرَقِ، وباقي النِّفاياتِ العامَّةِ التي يُلقَى بها في المزابِلِ بَعدَ أُسبوعٍ، ومع ذَلِكَ يُسجَنُ هَؤلاءِ في مَنظومَةِ العَمَلِ والإنتاجِ والاستِهلاكِ، العَمَل ثُمَّ الإنتاج ثُمَّ الاستِهلاك... إنِّي لأَرَى ثَورَةً عَظيمَةً تَلوحُ في الأُفُق".
... "لقد كان لديَّ الوقت لإلقاء نظرة خاطفة على كل ثَقبٍ فتَحتُه في حياة الناس. في عقلي تتبَّعتُ كلَّ رصاصاتي في حناجر الناس، في رؤوس الناس وفي المستقيم. وأشعر بالأسف، فقد أطلقتها جميعًا في الاتجاه المعاكس؛ ممَّا جعلها تعود إلى مصدرها، لتفتح مائة ثَقبٍ في رأسي، فيتحوَّل إلى دُشٍّ تنساب منه كل ذنوبي المميتة". إنها كوميديا سوداء حول قاتل مافيا كرواتي هبط عن طريق الخطأ في أيسلندا، المجتمع الأكثر سلميَّةً ونسويَّةً في العالم، متنكِّرًا في زيِّ قسٍّ ومذيعٍ إنجيليٍّ أمريكي.
في هذه الرواية، التي صدرت عام 1984 في جنوب أفريقيا، "سول برنارد" حطَّاب شاب ثائر ومضطرب، يصارع لإقناع أسرته، ذات الأصول الهولندية، باستبدال كلًا من قطع الأشجار، مصدر رزقهم الوحيد، وجشع تجار الأخشاب، بالتنقيب عن الذهب المُكتَشف حديثًا في الغابات. لكنه سرعان ما يغير رأيه ويصارع المنقبين الغرباء، الذين يدمرون الغابة أثناء تنقيبهم عن الذهب. وإذ يدور في حلقاتٍ من الشك واليقين، واليأس والأمل، يظل "القدم العملاقة"، أضخم أفيال الغابة، نقطة ارتكاز "سول" الوحيدة في هذه الدوائر التي لا تنفك تجذبه إلى الغابة لتطرده منها مرة أخرى.